يحصل الناس على حريتهم إذا آثروا الحرية على الحياة.. أما الذين يؤثرون الحياة على الحرية فهم يخسرونهما معاً.
ففي كثير من دولنا العربية حُرمت الحركات الإسلامية وحركات المقاومة الشريفة من التعبير الحر عن نفسها ضمن مؤسسات المجتمع الشرعية، وصودرت حريتها في الاختيار وحقها في المشاركة.
وإذا سمح لها بذلك فضمن قاعدة الـ25% التي أوصى بعض الساسة الغربيين أن لا يُسمح للإسلاميين بتجاوزها في أي انتخابات. وقد أدى استبعاد الحركات الإسلامية من المنافسة النزيهة على قيادة مجتمعاتها إلى ديمقراطيات كسيحة، تؤصل الاستبداد البغيض، وتضفي عليه طلاء زائفاً من الحرية.
ولا يؤمن الغربيون أن الشعوب تنال حريتها مجاناً، وهم محقون في ذلك، إذ على ذلك دلت تجربة آبائهم وأجدادهم خلال القرنين السالفين.
ولذلك نصت دساتيرهم في ديباجاتها على حق المجتمع في مقاومة الظلم والعسف قبل أن تنص على أي حق من حقوق الإنسان الفردية. فليس من الإنصاف للغربيين أن نطالبهم بإنصافنا دون أن نكون مستعدين لدفع ثمن ذلك الإنصاف مقاومةً ومدافعةً، فثقافتهم التاريخية علمتهم أن من لا يدفع ثمن الحرية لا يستحقها..
فإذا أدرك الحاكم الجائر أن للاستبداد ثمناً، وأن الحرية سيتم انتزاعها انتزاعاً، فلن يتعامل باستهتار مع اختيار شعبه، ولن يسعى إلى فرض ديمقراطية انتقائية، يفتح أبوابها لمن يشاء، ويوصدها في وجه من يشاء.
إن سنة المدافعة من سنن الله في خلقه، وتحقيق المدافعة في نظام المجتمع هي التي تحمي من الفساد والاستبداد: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض". فهل نطمع بعد هذه الحكمة القرآنية البليغة أن تنـزل علينا الحرية من السماء، أو تتفجر لنا من الأرض؟!
ذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" في ترجمة الشاعر المتنبي أن المتنبي مدح مرة أحد الملوك بأسلوبه المغالي، فقال:
يا من ألوذ به فيــما أؤملهُ ومن أعوذ به مما أحـــاذرهُ
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضـون عظماً أنت جابرهُ
ثم عقب ابن كثير بأن ابن القيم أخبره أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يقرأ هذين البيتين في سجوده، ويقول: "لا يصلح هذا لغير الله".. فالوثنية السياسية ضاربة بأطنابها في ثقافتنا، والأصنام البشرية حلت محل الأصنام الحجرية، ولا سبيل لنا سوى التقيد بوصية الشاعر الفيلسوف محمد إقبال في نبذ منهج آزر، واتباع ملة إبراهيم عليه السلام وهو يحطم الأصنام:
نحت أصـنام آزر صنعة العاجز الذليلْ
والذي يطلب العلا حسبه صنعة الخليل
لقد آن الأوان لشعوبنا، وللحركات الإسلامية تخصيصاً، أن تتحرر من الوثنية السياسية، ومن ثقافة العبودية. فالسادة يدينون لعبيدهم بما في أيديهم من امتيازات. ولو لم يرض بهم العبيد سادة لما سادوا
________________
الكاتب: د/محمد بن المختار الشنقيطي
المصدر: موقع: المرصد